اعتبارا من فاتح يوليوز 2025، سيطلق الاتحاد الأوروبي “السلطة الأوروبية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ” (AMLA)، والتي ستعزز الإشراف وتوحيد الجهود في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (LCB-FT) داخل الاتحاد.
وتندرج هذه المبادرة ضمن مجموعة من التحديثات التشريعية التي تم اعتمادها من طرف الإتحاد الأوروبي في يونيو 2024 والتي تشمل ثلاثة لوائح تنظيمية وتوجيها سادسا يعيد هيكلة الإطار القانوني الأوروبي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. من بين هذه النصوص، لائحة خاصة بإنشاء AMLA، ولائحة أخرى تحدد القواعد المتعلقة بالتحقق من هوية العملاء والمستفيدين الفعليين، بالإضافة إلى مراجعة الإطار التنظيمي الخاص بتحويل الأموال لضمان تتبع الأصول المشفرة بشكل أكثر دقة. وتشكل هذه الحزمة التشريعية أحد أعمدة خطة المفوضية الأوروبية المعنونة بـ “إرساء نظام موحد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب“.
هذا، وستتمتع AMLA بصلاحيات تنفيذية جد مهمة، إذ ستشرف مباشرة على 40 مؤسسة مالية تصنف على أنها عالية المخاطر بالنظر إلى طبيعة عملها أو نوعية زبنائها أو حجم العمليات العابرة للحدود التي تنفذها، أو انخراطها في أسواق معروفة بتعقيداتها وغموضها التنظيمي. كما ستمارس الهيئة رقابة غير مباشرة على باقي الفاعلين الماليين وغير الماليين من خلال توجيه عمل السلطات الرقابية الوطنية والهيئات ذاتية التنظيم مع إمكانية التدخل المباشر في حال حدوث تقاعس أو تضارب في القرارات.
ومن الناحية المؤسساتية، ستقود AMLA السيدة برونا سزيغو، الرئيسة السابقة لوحدة مكافحة غسل الأموال ببنك إيطاليا، ما يضفي بعدا تقنيا ومهنيا عالي المستوى على قيادة الهيئة. وستتكون البنية التنظيمية من مجلس عام يضم ممثلي السلطات الرقابية في الدول الأعضاء، ومجلس تنفيذي مكوّن من خمسة أعضاء بدوام كامل، بالإضافة إلى مدير تنفيذي يشرف على الجوانب اليومية، بما في ذلك إعداد الميزانية والبرامج السنوية ومتابعة تنفيذ الخطط الرقابية. ويضاف إلى ذلك هيئة إدارية مستقلة للطعن والمراجعة تتيح للأشخاص الطبيعيين والمعنويين الاعتراض على قرارات AMLA ذات الطابع العقابي أو التنظيمي.
ومن بين أبرز مهام الهيئة، تقييم المخاطر والتهديدات التي يواجهها السوق الأوروبي من حيث غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سواء داخل الدول الأعضاء أو في علاقاتها مع دول أخرى خارج الإتحاد، وجمع وتحليل البيانات من مختلف الهيئات الرقابية، وبناء قاعدة بيانات مركزية مشتركة، وتنسيق عمليات التفتيش الميداني مع السلطات الوطنية. كما ستتمتع AMLA بسلطة توقيع العقوبات الإدارية، بما في ذلك الغرامات المالية في حال ارتكاب خروقات جسيمة لمتطلبات اليقظة أو مراقبة العمليات الداخلية، مع نشر هذه العقوبات علنا للردع وتعزيز الشفافية.
في نفس السياق، ستتمتع AMLA بصلاحيات المتابعة والتدخل في أداء السلطات الرقابية الوطنية نفسها، حيث يمكنها إجراء مراجعات تقييمية مستقلة لأدائها كما يمكنها إصدار توصيات ملزمة من أجل تصحيح المسارات في حال ثبوت الإخلال أو عدم التطبيق السليم للتشريعات الأوروبية. وفي الحالات القصوى، يمكنها أن تطلب من المفوضية الأوروبية نقل سلطة الرقابة المباشرة من الهيئة الوطنية إلى AMLA ما يمثل سابقة في العمل الأوروبي الموحد في هذا المجال. ويشكل إحداث هذه الآلية الأوروبية محطة مهمة في تاريخ السياسة المالية الأوروبية، ولكونه جسد تطلع الاتحاد الأوروبي إلى بناء فضاء مالي آمن وموحد، قادر على رصد ومنع التدفقات غير المشروعة، وتطويق استخدام النظام المالي الأوروبي في عمليات تمويل الإرهاب أو الجريمة المنظمة. كما يعكس إرادة سياسية صلبة في تجاوز المقاربات المجزأة، والانتقال إلى حوكمة مركزية متماسكة ومبنية على الشفافية والصرامة والتنسيق المؤسسي.